کد مطلب:309789 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:292

القسمت 26


الصحراء مدّ البصر... صحراء ملیئة بالرمال.. تموج بالأسرار.. والغدر.. و خشخشة الأشواك تبوح باسرار اللیل.

آثار مشبوهة فوق الرمال الممتدة بین حصون «خیبر» و مضارب «غطفان»، و عیون تبرق فی الظلام.. ورائحة مؤامرات تدبر فی الخفاء.

فرسان «محمد» یجوبون الصحراء یترصدون الذین كفروا انّهم لا أیمان لهم... الآثار الغریبة فوق الرمال و الرجال الملثمون و العیون التی تبرق فی الظلام و خشخشة الأشواك فی اللیل و أصوات كفحیح الأفاعی... ما بین حصون «السامری» و مضارب غطفان عناكب «خیبر». تحوك شباكها.. و «غطفان» تكشّر عن أنیاب ملوّثة بالصدید... و تسامع أهل البادیة عن عجل یخور فی حصون وسط الرمال.


واهتزت رایة العقاب فی قبضة علی، وغادر آخر الأنبیاء المدینة فی ألف و ستمئة محارب. ولكی یفوّت الفرصة علی العقل الیهودی الذی جبل علی الغدر فقد تحتم علی قوّات المسلمین أن تقطع المسافة بأقصی سرعة..

لم تمرّ ثلاثة أیام حتی وصل النبیّ بجیشه مشارف خیبر... و كان الظلام یغمر الأشیاء یحیطها بالغموض و الأسرار... و بدت الحصون فی رهبة الظلام كائنات خرافیة رابضة فوق الأرض.

قبل أن یطلع الفجر كان المسلمون یحیطون بخیبر من كل الجهات و قد استكملوا احتلال بساتین النخیل المحیطة.

«العجل السامریّ» یتطلّع إلی أوثان «غطفان» «التبر» یستنجد «الحجر» «العجل» یطلق خواراً عالیاً.. و «الأوثان» حجارة صمّاء لا تفقه شیئاً مما یدور.

طلع الفجر، و اخرجت الأفاعی رؤوسها، صرخ أحدهم مأخذواً بهول المفاجأة:

- محمد و الخمیس!

كان اسم «محمد» یخلع قلوبهم.. لا یتحملون سماع هذا الاسم.. كما كانوا یتمیزون غیظاً لدی ذكر «جبریل» لو كان غیر جبریل یحمل رسالة السماء إلی ابن مكة لكان لهم موقف آخر...


قال النبیّ مستبشراً وهو یراقب ذعر الأفاعی:

- اللَّه أكبر! خربت خیبر... انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرین.

الصحراء تراقب معركة و شیكة.. معركة مدمرة سیكون لها شأن.

ووقف التاریخ یصغی إلی ما یدور بصمت.

اجتاح المسملون المناطق المشجرة ما بین الحصون... ووقفت جدران «النطاة» و «الصعب» و «ناعم» و «الشق» و «القموص» و «الوطیح» و «سلالم» ثابتة فی وجه الهجوم و دار قتال رهیب فی الشوارع.

سقط خمسون جریحاً من المسلمین.. صمد الیهود قاتلوا بضراوة.. علی خیبر ألّا تسقط... لأن سقوطها یعنی أن یعود السامری إلی التیه مرّة اُخری.. سوف یشدّ عباءته و یرحل إلی سیناء ینقب فی آثار القوافل المسافرة لعلّه یعثر علی أثر «الرسول» فیأخذ قبضة اُخری.

استشهد محمد بن مسلمة؛ ترصده یهودی من فوق الحصن ثم دفع علیه الرحی فسقطت علیه.

الحصون منیعة واقفة كالجبال... والأمل قطرات من ندی تبخرت لدی شروق الشمس و «السامری» ینظر باستعلاء و شماتة إلی نبیّ


العرب.

نشر الظلام ستائره... و اشتعلت مواقد فی قلب اللیل... و النسائم تداعب سعفات النخیل.. والأفاعی تخرج رؤوسها تحاول أن تصغی لما یدور حول المواقد.

أطرق أبوبكر برأسه و تمتم آسفاً:

- حصون مستعصیة منیعة و الیهود مسلّحون بسلاح حسن... و «القموص» حصن لا یفتح.. أرأیتم الخندق حوله.. ارجو ألّا یكون رسول اللَّه غاضباً منی.

أجاب عمر:

- لیس الذنب ذنبك یا صاحبی.. أنا أیضاً لم استطع ان أفعل شیئاً لقد قضیت النهار كلّه نهجم و یهجمون ولكن إخوان القردة یخرجون الینا من خلف الأشجار كالشیاطین.

علق «أبوعبیدة»:

- اسمعتم ما قال رسول اللَّه.

- و هل ینسی قوله.

- كلماته ما تزال ترنّ فی اُذنی: لأُعطینَ الرایة غداً رجلاً یحبُّ اللَّه رسوله و یحبُّه اللَّه و رسوله.

- تری مَن سیكون صاحب الرایة.


- الأمر واضح.. انّه علیّ.

- ولكن علیّاً أرمد!!

- ربما سلّم الرایة إلیّ.

- ماذا تقول یا أباحفص؟.

- فی الصباح یعرف القوم السری.

كانت النجوم تومض من بعید.. نام البعض و ظلّ البعض ساهراً یحلم برایة حبّ أزلیة.

ونام أبوحفص بعد أن عزم علی أن یكون غداً أقرب الناس إلی النبی علّه یسلّمه الرایة التی أصبحت حلمه تلك اللیلة.